صحيح مسلم بشرح النووي
قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تسعة وتسعين اسما , مائة إلا واحدا , من أحصاها دخل الجنة , إنه وتر يحب الوتر )
وفي رواية : ( من حفظها دخل الجنة ) قال الإمام أبو القاسم القشيري : فيه دليل على أن الاسم هو المسمى , إذ لو كان غيره لكانت الأسماء لغيره لقوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى } قال الخطابي وغيره : وفيه : دليل على أن أشهر أسمائه سبحانه وتعالى : ( الله ) لإضافة هذه الأسماء إليه , وقد روي أن الله هو اسمه الأعظم , قال أبو القاسم الطبري : وإليه ينسب كل اسم له فيقال : الرءوف والكريم من أسماء الله تعالى , ولا يقال من أسماء الرءوف أو الكريم الله . واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى , فليس معناه : أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين , وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة , فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء , ولهذا جاء في الحديث الآخر : " أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك " , وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم أنه قال : لله تعالى ألف اسم , قال ابن العربي : وهذا قليل فيها . والله أعلم . وأما تعيين هذه الأسماء فقد جاء في الترمذي وغيره في بعض أسمائه خلاف , وقيل : إنها مخفية التعيين كالاسم الأعظم , وليلة القدر ونظائرها .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحصاها دخل الجنة )
فاختلفوا في المراد بإحصائها , فقال البخاري وغيره من المحققين : معناه : حفظها , وهذا هو الأظهر ; لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى ( من حفظها ) وقيل : أحصاها : عدها في الدعاء بها , وقيل : أطاقها أي : أحسن المراعاة لها , والمحافظة على ما تقتضيه , وصدق بمعانيها , وقيل : معناه : العمل بها والطاعة بكل اسمها , والإيمان بها لا يقتضي عملا , وقال بعضهم : المراد حفظ القرآن وتلاوته كله , لأنه مستوف لها , وهو ضعيف والصحيح الأول .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وتر يحب الوتر )
الوتر : الفرد , ومعناه في حق الله تعالى : الواحد الذي لا شريك له ولا نظير . ومعنى ( يحب الوتر ) : تفضيل الوتر في الأعمال , وكثير من الطاعات , فجعل الصلاة خمسا , والطهارة ثلاثا , والطواف سبعا , والسعي سبعا , ورمي الجمار سبعا , وأيام التشريق ثلاثا , والاستنجاء ثلاثا , وكذا الأكفان , وفي الزكاة خمسة أوسق وخمس أواق من الورق , ونصاب الإبل وغير ذلك , وجعل كثيرا من عظيم مخلوقاته وترا منها السماوات والأرضون والبحار وأيام الأسبوع وغير ذلك , وقيل : إن معناه منصرف إلى صفة من يعبد الله بالوحدانية , والتفرد مخلصا له . والله أعلم